مقتطفات في خلق الايثار من سيرة سيد الخلق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الايثارشعار الصالحين والصلاة والسلام على محمد
الصادق الامين وعلى اله وصحبه اجمعين .
السلام عليكم
ان من اعظم الفضائل التي ربى الاسلام اتباعه عليها: فضيلة الايثار وحب
الخير والعطاء للاخرين ،وصفة العطاء من صفة الله عز وجل وعطاؤه
لا ينقطع ولا ينتهي سبحانه وتعالى .
ما هو الايثار :
- الايثار هو ان يقدم المسلم حاجة غيره من الناس على حاجته، برغم احتياجه
ما يبذله، فقد يجوع ليشبع غيره و يعطش ليروي سواه ، بل قد يموت في
سبيل حياة الاخرين، وبهذا الشعورالنبيل يجدد حقيقة ايمانه فيطهر نفسه من
الاثرة والانانية التي هي حب النفس وتفضيلها على غيرها وهي صفة ذميمة
نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم .
- فما اقبح ان يتصف الانسان بالانانية وحب النفس، وما اجمل ان يتحلى
المسلم بالايثار وحب الاخرين، وهذا هو درب الفائزين الذين اثنى الله
عز و جل عليهم بقوله تعالى : { ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة }
سورة الحشر. ( خصاصة : اي شدة وحاجة)
- الإيثار خُلق رفيع يبعد الإنسان عن الظلم والرذيلة (كالغش والبهتان -
والتلاعب بالاسعار وايذاء الاخرين وهو نتيجة الزهد في الدنيا وايثار الاخرة
ولا يمكن الوصول إلى خُلق الإيثار إلا بالقناعة والسخاء والبذل والعطف
على الفقراء والمحتاجين والايتام .
- من خصائص المؤمن ان يؤثر اخاه المؤمن في حظوظ الدنيا على نفسه طلبا -
لثواب الاخرة ، وان من اعظم الكرامة ان تؤثر بخيرك لغيرك،لقول الرسول
صلى الله عليه و سلم : ( لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحبه لنفسه )
متفق عليه, وقال أيضا : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا )
متفق عليه .
- في خلق الايثارقال "الامام ابن القيم" رحمه الله : -
الاولى: ان تؤثر الخلق على نفسك فيما يرضي الله ورسوله ،وهذه هي
درجات المؤمنين من الخلق والمحبين من خلصاء الله .
الثانية: ايثار رضاء الله على رضاء غيره وان عظمت فيه المحن، ولو
اغضب الخلق وهي درجة الانبياء واعلاها للرسل عليهم صلوات الله
وسلامه .
- مواقف خالدة في الايثار : -
سجل التاريخ باحرف من ذهب مواقف خالدة للمسلمين وصلوا فيها الدرجة
العالية من الايثار .
- فهذا سيد الخلق وخاتم النبيين وإمام المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، -
جاءته امراة واعطته بردة هدية،فلبسها صلى الله عليه وسلم وكان محتاجا
اليها ورأه احد اصحابه فطلبها منه وقال: ما احسن هذه...اكسنيها فخلعها
النبي صلى الله عليه وسلم واعطاها اياه فقال الصحابة للرجل:ما احسنت،
لبسها الرسول صلوات الله عليه محتاجا اليها ثم سالته وعلمت انه لا يرد احدا
فقال الرجل: إني والله ما سألتُه لألبسها، إنما سألتُه لتكون كفني. [البخاري] .
واحتفظ الرجل بثوب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فكان كفنه .
وفي رواية للبيهقي قالت عائشة رضي الله عنها: ما شبع رسول الله -
صلى الله عليه وسلم ثلاثة متوالية، ولو شئنا لشبعنا ولكن كان يؤثر
على نفسه.
- قال حذيفة العدوي: انطلقت يوم معركة اليرموك ابحث عن ابن عمي ومعي -
شيء من الماء فوجدته جريحا، فقلت: اسقيك؟ فاشار الي ان نعم، فاذا برجل
يقول : اه واشار ابن عمي الي ان اذهب به اليه فجئته فاذا هو هشام بن
العاص، وقلت: اسقيك؟ فسمع به اخر فقال:اه فاشار هشام ان ا نطلق اليه
بالماء. فجئته فاذا هو قد مات ورجعت الى هشام فاذا هو قد مات، ثم رجعت
الى ابن عمي فاذا هو قد مات ، رحمهم الله جميعا.
- لما مات سيدنا جعفر ابن ابي طالب، ترك ثلاثة اطفال والصحابة ضعفاء فقراء، وقف
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من يكفل اولاد جعفر؟ يقول االراوي:فخرج
ثلاثة من الصحابة يتشاجرون: انا يارسول الله، بل انا يا رسول الله.....
ما اجمل هذا الخلق الكريم الذي تخلق به افراد المجتمع الاسلامي واصبح
شعارا لهم و رمزا لايمانهم .
وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: ان رجلا اتى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،فشكا اليه الجوع فبعث الى نسائه ، فقالت كل واحدة منهن:ما عندنا
الا الماء ، قال عليه افضل الصلوات من يضيف هذا الليلة؟ فقال رجل من
الانصار: انا يا رسول الله ، واخذه الى بيته فاسرع الى زوجته فقالت
ما عندنا الا قوت الصبيان ، فقال لها: هيئي طعامك ونومي الصبيان واطفئي
السراج ( المصباح) ففعلت ، وضع الطعام بين يدي الضيف وجعل يمد
يده الى الطعام كانه ياكل، و ما اكل حتى اكل الضيف ايثارا للضيف على
نفسه واهله ، فلما اصبح قال له رسول الله عليه الصلاة والسلام لقد عجب
الله من صنيعكم الليلة بضيفكم ونزلت اية [ و يؤترون على انفسهم و لو كان بهم خصاصة
ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون] سورة الحشر.
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:اهدي لرجل من اصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم راس شاة، فقال: ان اخي فلانا وعياله احوج الى هذا
مني، فبعثه اليهم، فلم يزل يبعث به واحدا تلو الاخر حتى تداوله سبعة بيوت
ثم رجعت راس الشاة الى الاول ، كل واحد يقول: اخي احوج.........
وهكذا انتقل هذا الراس سبعة بيوت و عاد الى البيت الاول.
ايثار الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم :
وهذا طلحة بن عبيد الله يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ويقول له
اخفض رأسك يا رسول الله ، نحري دون نحرك يا رسول الله ( رقبتي
دون رقبتك) ويقذف الرسول صلى الله عليه وسلم بسهم فيمنعه طلحة بيده،
ويخترق السهم يده فتشل .
- وهذا ابو دجانة في غزوة احد ، السهام تصوب ناحية النبي صلى الله عليه
وسلم من كل مكان ،فياتي ابودجانة ويؤثر رسول الله ويحتضنه لينقذه من
السهام ، يقول ابوبكر رضي الله عنه:نظرت الى ظهر ابو دجانة فهي
كالقنفوذ من كثرة السهام، هو مجروح وما زال يؤثر النبي صلوات الله عليه.
هذه افضل صورة تجسدت في خلق الصحابة رضوان الله عليهم ، اقتداء
بخلق الرسول صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى : { وانك لعلى خلق عظيم }
وهكذا سما الرعيل الاول بخلق الايثار فضربوا اروع تلك الامثلة.
جعلنا الله جميعا ممن يتحلون بهذا الخلق الكريم ويحبون الخير للغير
كما نحبه لانفسنا