أيام العيدين أيام فرح وسرور ، وقد اختصت هذه الأيام ببعض العبادات ، والآداب ، والعادات ، فمن ذلك : 1. الاغتسال : وقد صح ذلك عن بعض الصحابة .فسأل رجلٌ عليّاً رضي الله عنه عن الغسل قال : اغتسل كل يوم إن شئت ، فقال : "لا ، الغسل الذي هو الغسل" ، قال : "يوم الجمعة ، ويوم عرفة ، ويوم النحر ، ويوم الفطر" .رواه الشافعي في " مسنده " وصححه الألباني
وقال ابن قدامة رحمه الله : وهذا يدل على أن التجمل عندهم في هذه المواضع كان مشهوراً .وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله : وقد دل هذا الحديث على التجمل للعيد ، وأنه كان معتادا بينهم . وقال الشوكاني رحمه الله : ووجه الاستدلال بهذا الحديث على مشروعية التجمل للعيد : تقريره صلى الله عليه وسلم لعمر على أصل التجمل للعيد ، وقصر الإنكار على من لبس مثل تلك الحلة لكونها كانت حريراً .
وعلى هذا جرى عمل الناس ، من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى عصرنا هذا . قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله : وخرج البيهقي بإسناد صحيح عن نافع أن ابن عمر كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه . وقال أيضاً : وهذا التزين في العيد يستوي فيه الخارج إلى الصلاة، والجالس في بيته ، حتى النساء ، والأطفال. وقال بعض أهل العلم : إن من كان معتكفاً يخرج للعيد بثياب اعتكافه ، وهو قول مرجوح . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :السنَّة في العيد أن يتجمل سواء كان معتكفاً أم غير معتكف .
3. التطيب بأحسن الطيب . وقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه " كان يتطيب يوم الفطر " ،وقال مالك : سمعت أهل العلم يستحبون الزينة والطيب في كل عيد .واستحبه الشافعي . وهذا التزين والتطيب إنما يكون من النساء في بيوتهن ، أمام أزوزاجهن ونساتئهن ومحارمهن . جاء في " الموسوعة الفقهية " :ويستوي في استحباب تحسين الثياب والتنظيف والتطيب وإزالة الشعر والرائحة الكريهة : الخارج إلى الصلاة ، والقاعد في بيته ؛ لأنه يوم الزينة فاستووا فيه ، وهذا في حق غير النساء . وأما النساء إذا خرجن : فإنهن لا يتزين ، بل يخرجن في ثياب البذلة ، ولا يلبسن الحسن من الثياب ، ولا يتطيبن ؛ لخوف الافتتان بهن ، وكذلك المرأة العجوز ، وغير ذوات الهيئة ، يجري ذلك في حكمها ، ولا يخالطن الرجال بل يكن في ناحية منهم .
4. التكبير . يسنُّ التكبير في عيد الفطر : من رؤية الهلال ؛ لقوله تعالى : (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) ، وإكمال العدة يكون بإتمام الصيام ، وانتهاؤه : إذا خرج الإمام للخطبة . وفي الأضحى : يبتدئ التكبير من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق ، وهو الثالث عشر من ذي الحجة .
5. الزيارات . ولا حرج في العيد من زيارة الأقارب والجيران والأصدقاء ، قد اعتاد الناس ذلك في الأعياد . وقيل إن ذلك من حكَم تغيير الطريق في الرجوع من مصلى العيد . فقد ذهب أكثر أهل العلم إلى استحباب الذهاب إلى صلاة العيد في طريق، والرجوع في طريق آخر ، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق) . رواه البخاري ( 943 ) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الحكَم من ذلك : وقيل : ليزور أقاربه الأحياء والأموات ، وقيل : ليصل رحمه .
6. التهنئة : وتكون بأي لفظ مباح ، وأفضلها : " تقبل الله منا ومنكم " ، لأن هذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله عنهم . فعن جبير بن نفير قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك . وحسَّن الحافظ إسناده في " فتح الباري " وسئل مالك رحمه الله : أيُكره للرجل أن يقول لأخيه إذا انصرف من العيد : تقبل الله منا ومنك ، وغفر الله لنا ولك ، ويرد عليه أخوه مثل ذلك ؟ قال : لا يكره .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :التهنئة يوم العيد يقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد : " تقبل الله منا ومنكم " ، و " أحاله الله عليك " ، ونحو ذلك ، فهذا قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه ، ورخص فيه الأئمة كأحمد وغيره ، لكن قال أحمد : أنا لا أبتدئ أحداً ، فإن ابتدرني أحدٌ أجبته ؛ وذلك لأن جواب التحية واجب . وأما الابتداء بالتهنئة : فليس سنَّة مأموراً بها ، ولا هو أيضاً مما نُهي عنه ، فمن فعله فله قدوة ، ومن تركه فله قدوة .
7. التوسعة في الطعام والشراب . لا حرج من التوسعة في الطعام والشراب وأكل الطيب من الطعام ، سواء كان ذلك في البيت أو في مطعم خارج البيت ، غير أنه لا يجوز أن يكون ذلك في مطعم تدار فيه كؤوس الخمور ، ولا مطعم تصدح الموسيقى في أرجائه ، أو يرى فيه الرجال الأجانب النساء . وقد يكون من الأفضل في بعض البلاد : الخروج إلى رحلة برية أو بحرية حتى يبتعدوا عن الأماكن التي يختلط فيها النساء بالرجال اختلاطاً مستهتراً ، أو تعج بالمخالفات الشرعية . وعَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ ) رواه مسلم
8. اللهو المباح . لا مانع من أخذ الأسرة في رحلة برية أو بحرية ، أو زيارة أماكن جميلة ، أو الذهاب إلى مكان فيه ألعاب مباحة ، كما لا مانع من الاستماع للأناشيد الخالية من المعازف . فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ ، وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ : "مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؟" فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ : (دَعْهُمَا) فَلَمَّا غَفَلَ ، غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا ، وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَإِمَّا قَالَ : (تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ) فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ ، وَهُوَ يَقُولُ : (دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ) حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ : (حَسْبُكِ ؟) قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : (فَاذْهَبِي) . رواه البخاري ومسلم . وفي رواية : عن عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ : (لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً ، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ) . "مسند أحمد" وحسَّنه المحققون وجوَّد الألباني إسناده في "السلسلة الصحيحة" . وبوَّب عليه النووي رحمه الله بقوله : "بَاب الرُّخْصَةِ فِي اللَّعِبِ الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ". قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :وفي هذا الحديث من الفوائد : مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس ، وترويح البدن من كلف العبادة ، وأن الإعراض عن ذلك أولى . وفيه : أن إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين .. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :ويفعل في هذا العيد أيضاً أن الناس يتبادلون الهدايا يعني يصنعون الطعام ويدعو بعضهم بعضاً ، ويجتمعون ويفرحون ، وهذه عادة لا بأس بها ؛ لأنها أيام عيد ، حتى إن أبا بكر رضي الله عنه لما دخل على بيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وذكر الحديث - . وفي هذا دليل على أن الشرع - ولله الحمد - من تيسيره وتسهيله على العباد : أن فتح لهم شيئاً من الفرح والسرور في أيام العيد . وفي " الموسوعة الفقهية " :تتأكد مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل به لهم بسط النفس ، وترويح البدن من كلف العبادة ، كما أن إظهار السرور في الأعياد شعار هذا الدين ، واللعب والزفن في أيام العيدين مباح ، في المسجد وغيره ، إذا كان على النحو الوارد في حديث عائشة رضي الله عنها في لعب الحبشة بالسلاح .