الغزو الفرنسي للجزائر
مقدمة :
لقد تعمد الاستعمار الفرنسي تشويه الشخصية الجزائرية معتمدا على سياسة التجهيل و قتل الذاكرة التاريخية و الحضارة لأنه أدرك أهمية اللغة و قيمتها عند شعب يريد الحفاظ على شخصيته و لقد عمدت ادارات الاحتلال الى شن حرب ضد العلم و التعليم ضد الجزائر ، حتى لا يكون هناك أجيال صاعدة من ابناء الجزائر و كذلك غرسو في أذهان التلاميذ فكرة مفادها أن الجزائر جزء من فرنسا ، و عملوا على إحلال التاريخ الفرنسي محل التاريخ الجزائري و كذلك القضاء على المساجد و الوزايا و محاربة الأئمة و العلماء و العقول و حرق المكتبات و كان كل هذا خلال القرن 19 الموافق 13 هـ لقد أدرك المستعمر تلك المقومات الأساسية مركز حرية عليها و خاصة اللغة العربية و بالتالي على الشخصية الجزائرية مما يؤدي للقضاء على الإسلام.
السياسة التعليمية.
تحطيم التعليم المحلي:
لا شك أن التشريع الاسلامي كان يشكل المصدر الرئيسي ليسير و تنظيم الجهاز القضائي الاسلامي في كل شيء إلا أنه الاستعمار الصليبي الذي لم يكن يجهل مقاصد الشريعة الاسلامية و أصالة الأمة الجزائرية.
الأمر الذي دفع المحتل الغاضب الى إخضاع الجزائريين المسلمين إلى تشريع القر و الظلم و النفي و الإعدام و انتهاك الحرمات .
و لم يكتفي الاستعمار فقط بانتهاك وبإداسة كرامة الإنسان الجزائري بل درس كل مقدسات الأمة محولا المساجد إلى كنائس والمحاكم الإسلامية إلى منازل للضباط الفرنسيين وإخضاع الأمة الجزائرية للتشريع الفرنسي وإنشاء مؤسسة استعمارية ( المكاتب العربية ) مهامها لإشراف على سير القضاء الإسلامي بالجزائر حيث حاولت تضليل المسلمين وإبعادهم عن دينهم الحنيف مصداقا لقوله ” لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ” 1
ولم يتوقف العمل الصليبي عند هذا الحد بل اتجهت الفكرة الاستعمارية إلى محاولة تحقيق ذلك عن طريق العناصر الضعيفة الإيمان من قضاة الجزائريين الذين حاولت فرنسا كسبهم بشتى الوسائل والمغريات لنصر القضية الاستعمارية ولقد لاحظ النقيب ساجي أن الاحتلال الفرنسي قد أثر على التعليم الأهلي بالمقاطعة حيث أن المبالغ الفائدة للمساجد والتي كانت تخصص لتعليم أبناء المعلمين صارت توجه إلى خزينة الدولة الفرنسية اقتضاء بذلك عودا التلاميذ من 1500 تلميذ إلى 30 تلميذ في التعليم الابتدائي ومن 500 في التعليم الثانوي إلى 10 وذلك عام 1849 م .
وهكذا كان دي قايدن وكل أنصار الجمهورية الثانية يطالبون إلغاء القضاء الإسلامي طبقا لتعاليم القرآن والسنة النبوية الشريفة ، كما كانوا يعارضون بقاء الكتاتيب والزوايا حيث تضاعفت العمليات الصليبية الفرنسية لنشر الرعب والخوف وتحطيم كل مراكز الثقافة والتعليم الإسلامي بل اتجه الكيد الاستعماري إلى أبعد من ذلك إذ بدأ التفكير في كيفية ربط الجزائريين بالقضاء النابليوني وإبعاد تدريجيا عن التشريع الرباني وذلك عن طريق ما يسمى بالسياسة القبائلية ، أي أن فرنسا بعد فشلها في خطة المدارس المختلطة والفرنسية والتفتت إلى القبائل الكبرى لتنصرهم قصد تشتيت وحدة الأمة الجزائرية وقد نشطت أقلام الاستعماريين لترويج الدعاية على أن السكان الأصليين للجزائر هم البرابرة وينحدرون من أصل غربي وهي دعاية افتراء على التاريخ لتزييف حقائق وان العرب الفاتحين ماهم إلا مستعمرين .
سياسة التعليم الفرنسي :
لقد كانت حركة الاستعمار الثقافية والتعليمية تحاول فرض رؤية أخرى وتفكير مغاير لتفكير مجتمعنا فالثقافة الفرنسية تسعى لتحقيق مشروع فرنسة الجزائر واستئصال مجتمعنا من مقوماته الأساسية وذلك بعد إطلاع الشباب الجزائري
على حضارة المستعمر ليصبح هؤلاء الشباب عناصر مفيدة وسطاء بين إخوانهم في الدين الفرنسي .
وكانت تعتمد على مؤسسة المكاتب العربية لتجسيد مشروعها عن طريق التأثير في الأهالي فهناك من الضباط من ينادي بشعار تنوير عقول الجزائريين ولكن ليس بمعنى التنوير بل ترسيخ وتعميق التفكير الاستعماري في أذهان المجتمع الجزائري .
وقد جاء في بعض التقارير ما يلي أن الحقيقة الأخلاقية تستهدف العقول لتنويرها أما الحقيقة السياسية … فهي الوسيلة الفعالة للحكومة … وينبغي أن تسيطر الحقيقة الثانية على الأولى .
كما أعلن الدوق دي ريغيقو ان المعجزة الحقيقية التي يمكن صناعتها تكون في إحلال اللغة الفرنسية شيئا فشيئا محل اللغة العربية ولتوطيد ركائز الاستعمار بمختلف أشكاله السياسية والاقتصادية والاجتماعية ورفعت شعارات استعمارية شعارات زائفة منادية التعليم من أجل الفتح تارة والعلاج من اجل الفتح تارة أخرى وقد جاء في التقارير الفرنسية ما يلي : إن التعليم يهذب الأخلاق ويلين القلوب القاسية جدا فيربطها بالحكومة الفرنسية .(1)
كما كان ظباط المكاتب العربية مكلفين بتطبيق سياسة الإدماج بما يتماشى بمصالح الاستعمار حيث كتب احدهم قائلا و انني لاأياس … أن يتم جمع اليهود والمغاربة والفرنسيين والإيطاليين والإسبان أمام أستاذ واحد وفي نفس الحصص الدراسية ينبغي أن يتم تحضير الإدماج داخل المدارس .
وإبتداء من عام 1845 يدق للقادة الفرنسيين فكرة إنشاء مدارس خاصة بالفتيات المسلمات حيث إهتمت أليكس بهذا الموضوع فكتبت إلى وزير الحربية قائلة ” إنكم سيدي الوزير لاتجهلون أن أكبر تاثير في إفريقيا هو تأثير المرأة كما هو الحال في أوروبا أنكم أنخصصتم لحضارتنا 100.00 من الفتيات الجزائريات التي ينتمين لمختلف طبقات المجتمع … سيصبحن في المستقبل زوجات بارعات ومحظوظات …سيضمن لكم خضوع البلد إلى الأبد … وذلك التأثير على أزواجهن … غير ان تحقيق هذا الهدف الرائع يقتضي مبلغا قدر بحوالي 200.000 فرنك .”
وتقول قد جبت الأوساط العربية وتكلمت إلى العائلات عن هدف وكنت اصطحب معي لكل عائلة هدية إحسان وسخاء وأكدت خاصة احترامي لدين البلد لكن التجربة باءت بالفشل .
وكان التساؤل المطروح هل ينبغي تعليم الأطفال أم الراشدين فكان القرار تعليم الأطفال والرجال فالمدرسة تكون مخصصة للأطفال اما الحصص المسائية تكون للراشدين وإذا كان مرسوم 1899 ينص على جعل التعليم الذي يقوم به المدرس وإنشاء مدارس التعليم اللغة الفرنسية للأهالي والأوروبيين إلا أن الفشل كان ذريعا .
وكان من الفوائد الثمينة التي يرجو المستعمر استخلاصها هو فتح مدارس مختلطة ليصبح فيما بعد التلاميذ من أخلص المواطنين .
وظهرت أسماء اخرى مثل إسماعيل “داريات” و ” ويلمار” و ” دوماس” الذين عكفوا على رسم سياسة تقليصية تتكيف مع الوضع المحلي وإعداد المدارس العربية الفرنسية لكن تلك المشاريع كانت قد إصطدمت
إن التدمير الإستعماري للمؤسسات الأهلية التعليمية حو هذا الشعب إلى حالة من الأمية ودليل ذلك تقرير الوالي الفرنسي بقسنطينة كارات كان سكان بجاية قد طلبوا مني مقابلتي فاستقبلتهم ولم يتحدثوا الى عن مصادرة ممتلكاتهم ولاعن بؤسهم إنما قالولي إعملوا على إستصلاح مستحدث وإمنحوانا مدرسة (1) .
وكان هذا الطلب يكشف إلى أي حد كان المستعمر يصنع في سياسة التجهيل .
ومن جهة أخرى النظرة الاستعمارية بعيدة الطموح بجعل من المدرسة وسيلة نحو تحقيق غاية ألا وهي توغل الوجود الفرنسي بإفريقيا.
وإذا كانت السلطات الاستعمارية تعلق أمالا كبيرة على دور المكاتب العربية لإنجاز هذا المشروع واستقطاب تلاميذ الأهالي إلى المدارس المختلطة وتعميم الفرنسية عن طريق بعض الوسائل التحفيزية لتوزيع الجوائز على التلاميذ الناجحين مبينا لهم محاسن التعليم كما بين للأباء أن التعليم الفرنسي مستقبل عن الأمور الدينية وكان هذا التيار يسير على حساب المدارس العربية الحرة باستبدال بعضها بالمختلطة .
سياسة التنصير :
لم يمضي على احتلال الجزائريين سوى شهران حتى اصدر أثرهما المحتل امر في 08/09/1830 يقضي بالاستيلاء على الأوقات الإسلامية التي تمول الخدمات الدينية والثقافية والتعليمية والاجتماعية للمسلمين الجزائريين وتعهد
وفي 04/07 باحترام الدين الإسلامي وأوقافه ومعاهده واحترام ملكية الجزائريين وحريتهم الدينية .1
ولقد كان الجنيرال بيجو يجمع الأطفال الجزائريين اليتامى ويأتي لهم بالقسيس فيسلمهم له قائلا حاول يأبتي أن تجعل منهم مسيحيين وإذا فعلت فلن يعودوا إلى دينهم ليطلقوا علينا النار ” وتولى الكاردينال لافيجري مسؤولية تنفيذ تلك السياسة التي تستهدف التمسيح وإدخال الجزائريين في بوتقة الفرنسيين روحيا وعقليا وكان توافد المبشرين المنفردين عن الجزائر إلى هذا البلد المسلمة لأنهم أدركوا أن المجتمع الإسلامي ليس كالمجتمع لوثني فهو يتطلب جهودا كبيرة لتنصيره بإستخدام كل الوسائل والمغريات
أما لافيجري فقد كان يعمل على إقناع الإدارة الفرنسية بالجزائر من أجل تنصير وفرنسة الجزائريين وقد غقتنع الحاكم العام دي قايدن بفكرته إذا كان مخططه يرمي إلى القضاء على التفكير العربي الإسلامي يعارض كل مامن شأنه أن يسمح بتأسيس إدارة محلية للجزائريين . يتولى شؤونها رؤساء منهم ويمكن القول ان السياسة الاستعمارية استطاعت أن تجد لها مؤيدين من طرف بعض الجزائريين المتفرنسين الذين بدأو يطالبون بتطبيق سياسة الإدماج وذلك عن طريق مايسمى .بالسياسة القبائلية أي أن فرنسا بعد فشلها في خطة المدارس المختلطة والفرنسة إلتفتت إلى القبائل الكبرى وتركز جهودها هناك .
لفرنسة سكانها وتنصيرهم صد تشتيت وحدة الامة الجزائرية وقد استطاعت أقلام الاستعماريين لترويج دعاية على أن السكان الأصليين للجزائر هم البرابرة وينحدرون من أصل غربي وهي دعاية افتراء على التاريخ لتزييف حقائقه وأن العرب الفاتحين ماهم إلا مستعمرين لتثبيت الاحتلال والتمكن للفكر الصليبي الفرنسي .(1)
المطلب الرابع : سياسة الإدماج :
كان المعمرين بالرغم من تهجير الأهالي والإستيطان يطالبون بإستمرار بتماثل الجزائر قانونيا وقضائيا وتعليميا بفرنسا ليتمكنوا من فرض حكمهم المدني وقد شملت سياسة الإدماج الإدارة حيث أن الجزائريين عينوا سابقا في مناصب تشبه مناصب البلدية عزلوا منها وأعطيت مناصبهم لفرنسيين .
أما بالنسبة للجزائريين المسلمين فقد بقى القضاء الإسلامي تحت الوزارة الحربية وتم الفصل بين القانون الجنائي والمدني وجعل القضايا الجنائية متعلقة بالجزائريين من إختصاص المحاكم الفرنسية ثم إخضاع القضاء المدني إلى المراقبة الإستعمارية إن الإحصائيات المتعلقة بالتجنيس بالجنسية الفرنسية بينت خلال عشر سنوات ( 1865-1875) م بجنس 371 جزائريا الذين تخلو عن أحوالهم الشخصية والإسلامية من أصل 336، 2.462 جزائري عام 1876 والذين تم تجنيسهم جملة واحدة هم اليهود الذين منحهم اليهود كريميو الجنسية مع إحتفاظهم بأحوالهم الشخصية اليهودية ولقد كانت سياسة الدمج تعني في الواقع دمج المعمرين مع الفرنسيين بفرنسا في نفس الحقوق السياسية والإقتصادية وغيرها وتأمين الحصانة القانونية لهم ثم إطلاق أديهم في حكم الجزائر وأصبحت الفكرة السائدة في 1870-1898أنه لايمكن إعتبار الجزائريين كالفرنسيين بل أن سياسة الإستسلام و الخضوع هي التي يجب أن تفرض عليهم